تصادق هيثم وفؤاد وصارت لقاءاتهما أكثر ثم كونا معا فريق عمل واحد ولم يكن حازم معهما. كانت هذه الإشارة تنم عن شيء مفقود وكانت مبادرة من فؤاد. كانت اشارة ان حازم صديق لتقضية الوقت ولم يكن مناسبا كعضو في الفريق العمل. سارت الأمور على نفس الوتيرة حتى التخرج. حتى في مشروع التخرج لم يضمه الصديقان لمجموعتهم وأختار فؤاد زميلين آخرين لينضما لهما. لم يكن هيثم ضد فكرة انضمام حازم لهما، ولكنه لم يشجع الأمر ولذا لم يعترض على قرار فؤاد. كان الفرسان الثلاثة، كما أطلق عليهم بعض زملاء الجامعة، معتادين على ذلك؛ نتسامر معا لكن لا نعمل معا. وكان دائما حازم هو الأبعد قليلا خارج المجموعة. وتدور الأيام ويتخرج الأصدقاء من الجامعة ويسير كل في طريقه وتأخدهم الأقدار والمشاغل.
لكن مع الوقت - كعادة الزمن في مفاجآته - تتوثق علاقة حازم وهيثم أكثر ويتقابلان ويخرجان معا أكثر ويقضيان وقت أكثر مع بعضهما وتتباعد لقاءات فؤاد وهيثم ومقابلات حازم وفؤاد. وزاد ذلك التقارب أن أنهى حازم خدمته العسكرية ليلتحق بالعمل في نفس الشركة التي يعمل فيها هيثم - بعد أن رشحه وقدم سيرته الذاتية لموظفي شئون الأفراد بالشركة. وتوازى مع ذلك التقارب بعض البعد بين هيثم وفؤاد. لم يكن الأمر مخططا له، انما كما نقول - مشاغل الحياة هي السبب، بالإضافة إلى عدم تحمس فؤاد للخروج كثيرا مع المجموعة، وساهم في البعد ايضا أيضا بعض الشعور بالغيرة من توالي اللقاءات الثنائية التي لا يحضرها. بدأت أولا باعتذاره المتكرر عن الخروج لمقابلة الصديقين - إلى أن تطور إلى أن سأم الصديقين ولم يلزما نفسيهما بإخبار صديقهم الثالث. وذلك على ما يبدو ساهم في انزواء فؤاد بعيدا عنهم. وتزداد اللقاءات بين الصديقين ولكن ظل هيثم يحاول الابتعاد قليلا محتفظا ببعض المسافة. بداية كان ابتعاد في العمل مكتفيا بعلاقتهم خارج العمل وممضيا وقته في العمل مع زملائه في فريقه.محافظا على علاقتهم خارج العمل التي لم تتأثر. هيثم شخص سريع الملل ولا يحب أن يستحوذ شخص، ولا سيما ذاك الصديق، على وقته وأن يقضي معه جل وقته. يفضل هيثم دائما أن يقضي وقته مع اشخاص مختلفة. لم يكن أبدا ذلك الشخص الذي يختار تمضية وقته مع صديق واحد، فهو عاشق للتغيير. ورغم ما مضى من وقت على صداقتهما لكن لم تكن اهتماماتهما مشتركة. هيثم دائم الحركة وكثير الافكار مشاركا في نشاطات كثيرة، يفضل الحديث الجاد والتفكير في المستقبل. يحاول ابتكار أفكار ليقضي وقته بسعادة. فهو يفضل ويهدف السعادة في المدي الطويل. عكس حازم الذي يفضل الكلام البسيط والهروب من المستقبل ليحاول اسعاد نفسه في هذه اللحظة، وهذه اللحظة فقط. وكان هيثم كثيرا ما يعرض على حازم مشاركته أنشطته. ويشاركه حازم ويتبعه كظله. لم يشعر هيثم وقتها انه أمام شخصية مستقلة أو مبتكره - فقد رآه شخصا تابعا. وبدأ هيثم يمل من مصاحبة حازم له لما شعره من نقص في حماس حازم، فقد كان حازم يشارك بدلا من الجلوس في المنزل ليس لأنه يريد المشاركة. وهناك فرق واضح بين الحالتين. وشعر حازم بالملل من نشاطات هيثم لكنه كان يشاركه ما لم يجد شيء أفضل يمارسه. عرفه هيثم على هشام صديق عمره وصديق الطفولة. وزادت الجلسات الثلاثية بمبادرات من هيثم في معظم الوقت. فقد كان هيثم هو الركن الأساسي في هذه المجموعة - كما كان فؤاد في المجموعة القديمة. تقارب حازم وهشام بسرعة شديدة معتمدين على كثرة اهتماماتهم المشتركة وتشابه نظرتهم للحياة. كانت هذه الفترة هي الأفضل في حياة حازم؛ لا التزامات مزعجة، ولا أشخاص كثيري الحديث والتفكير في مالا يسعده، ولا نشاطات مرهقة. مع وجود صديق يشاركه معظم اهتماماته يمكنهم الحديث معا لساعات بدون ملل. يقرر هيثم السفر للعمل في الخليج، فقد أصبحت الحياة في مصر أصعب لتحقيق أحلامه، وفتح الخليج أبوابه -وخزائنه - للمهندسين المعماريين المصريين. فبعد زيادة أسعار البترول وبالتالي تكدس الأموال اتجهت دول الخليج العربي للاعمار والبناء. قرر هيثم السفر اشباعا لرغبته في التجديد (وتغيير معارفه) مع الأمل ان تنفتح مع أبواب الطائرة فرصة لتحقيق أحلامه التي لم يستطع تحقيقها. ولم يمض وقت طويلا على سفر هيثم إلا ويتبعه حازم. واتخذ حازم قرار السفر لتحقيق حلم قديم بزيارة الخليج وبسبب شعوره بالوحدة بعد سفر هيثم. فبحث حازم عن فرصة عمل وسافر لنفس البلد التي سافر لها هيثم. وجد هيثم أن واجبه ان يساعد صديقه على التأقلم في المدينة الجديدة لكن بدأت حالة الملل مبكرا جدا. اعتاد هيثم منذ سفره ان يكون وحيدا وأحب وحدته ومع الغربة قلت قدرته على التحامل على نفسه لصالح الآخرين ولكن صديقه كان على النقيض ناقما على الوحدة. وقد وجد المنجى في صديقه هيثم واعتمد عليه اعتماد شبه كامل؛ في انجاز المهام - والأهم من ذلك في الهروب من الوحدة. رغم ملله لم يستطتع وقتها هيثم أن يبتعد أو أن يتخلى عن صديقه. كان شعوره بالواجب نحو صديقه أكبر من محاربة ملله. ويمر الوقت وتمر سنة ويعتاد حازم على حياته الجديدة والمدينة الجديدة وأصبح له أصدقاء وحياة، مما يسمح الآن بالبعد. وبالفعل بدأت لقاءات الصديقين تتباعد. ولكن كعادة القدر، يظهر ما سيعيد نشاط الصديقين ليقربهما من بعضهما. تظهر صديقة جديدة ،منال. ويتعرفان عليها وتتكرر الخروجات الثلاثية لكن في تلك المرة كان حازم هو الأساس لفترة. هو الذي يرتب اللقاءات. ثم بدأ هيثم يستقل بعلاقته بمنال - كعادته لا يحب دور التابع. وحينها يبدأ حازم في التهرب من صديقه. لا يخرج معه إلا إذا كانت تلك الصديقة موجودة. لاحظ هيثم ذلك لكنه لم يهتم. كان مقدرا لصديقه. لم يتضايق منه. ولكنه أحس انها الفرصة المناسبة لتنفيذ قرار البعد القديم. خاصة أن علاقة الصديقة الجديدة أظهرت بعض الصفات التي لم يقبلها في صديقه. ويعترف أحيانا أحساسه ببعض الغيرة ثم يعود فينكرها مبررا غضبه بتصرف حدث من حازم هنا أو هناك. وزادت لقاءات حازم ومنال إلى ان ارتبطا بعلاقة عاطفية ونسى حازم صديقه هيثم لفترة. ثم شعر حازم بانه يفقد صديقه وحاول ان يعيد ترميم جسور الصداقة لكن لم ينجح. وتزداد المسافة وتتباعد اللقاءات بين حازم وهيثم، ويمر الوقت ويبتعد الصديقان مرة أخرى وأخيرة.
لا يهم من بدأ البعد؛ فقد رضي الطرف الآخر بأي حال بالموقف الجديد - وعادا كما كانا قبل أكثر من عقدين من الزمن .... كالغرباء.